إليزابيث كسّاب: جائزة الشيخ زايد للكتاب تحيّة للنساء والرجال الأحرار الذين حافظوا
التاريخ: أبريل 26, 2013, 07:00 - 00:00
الموقع: أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة
ضمن برنامجها الثقافي على هامش معرض أبوظبي الدولي للكتاب 23، استضافت جائزة الشيخ زايد للكتاب في (مجلس الحوار) عصر أمس الجمعة الموافق 26 إبريل 2013 الفائزة بفرع التنمية وبناء الإنسان لهذا العام الدكتورة إليزابيث سوزان كساب (لبنان) للحديث عن تجربتها في تأليف كتابها الفائز (الفكر العربي المعاصر.. دراسة في النقد الثقافي المقارن).
قدم الضيفة الأستاذ الدكتور مسعود ضاهر، عضو (الهيئة العلمية) في الجائزة الذي استعرض السيرة العلمية والمهنية للدكتورة كساب التي ولدت في منطقة (برج حمود) بلبنان عام 1959، ودرست إدارة الإعمال في (الجامعة الأمريكية) ببيروت، وتخرجت منها عام 1979، ومن ثم درست الفلسفة في الجامعة ذاتها، وتخرجت منها عام 1983، وبعدها غادرت إلى سويسرا للدراسة في (جامعة فريبور)، ونالت الدكتوراه في الفلسفة عام 1988. وعملت في (جامعة يال)، و(جامعة كولومبيا)، و(جامعة بروان) في الولايات المتحدة الأمريكية لسنوات عدة، وفي غيرها من المعاهد والجامعات، ولديها عدد من الدراسات والبحوث والمقالات في اللغتين الإنجليزية والعربية، فضلاً عن عدد من المحاضرات في الفلسفة والفكر العربي.
وأكد ضاهر على "تميز الباحثة المحاضرة الدكتورة إليزابيث بثقافة نقدية رفيعة المستوى، نظراً لتملكها لغات عالمية عدة وخبرة واسـعة في مـجال النقـد الحديث، بأبعاده الثـقافية المـتعددة ومـناهجه الـعلـمية المتنوعة، فبلورت في كتـابها الذي فاز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في فرع التنمية وبناء الإنسان هذا العام مـقولات نظرية بالغة الأهمية، تناولت موضوعات متخصصة ضمن حقبات متعاقبة طاولت النهضة الثقافية الأولى من منتصف القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين، والفكر النـقدي بعد نـكـسة عـام 1967، وقـراءات ماركسية ومعرفية ونفسية حول الـتراجـع الثقافي والتـجـديد والأصـالة والنـقد فـي الديـن الإسلامي والنقد العلماني، وأفكار العرب في رؤية مقارنة، ودوافع النهضة الجديدة، والمطالبة بالحق في الحرية والحياة".
وفي بداية حديثها، وقفت كساب عند دوافع تأليفها لكتاب (الفكر العربي المعاصر.. دراسة في النقد الثقافي المقارن)، الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت هذا العام، وأكدت بأن معظم الدراسات التي تناولت الفكر العربي المعاصر انكبت على التيّارات الإيديولوجية، خصوصاً القوميّة والإسلاميّة منها، مهملةً بذالك التيّار النقدي الذي يشكّل جزءاً هامّاً في الفكر العربي.
وأشارت إلى الدوافع وراء ذلك قائلة: "أن السبب وراء هذا الإهمال قد يكمن في غياب الصفة "الأكزوتيكيّة" لهذا التيّار النقدي، بمعنى الخصوصيّة الاثنية أو الدينية، وهناك سبب آخر وراء ندرة هكذا دراسات ويكمن باعتقادي في الميّزة الأقلوية لهكذا تيار؛ إذ أن الفكر النقدي في جميع مجتمعات العالم بطبيعته هو تيّار هامشي، لكن هذه الهامشيّة لا تنقِّص من قيمتها، وما دراستي لهذا الفكر سوى مساهمة في التعويض عن هذا النقص وتسليط الضوء على ناحية قيمة من الفكر العربي المعاصر، وهناك أيضاً سبب آخر للتعتيم على هذا الفكر النقدي يتمثل في ظروف التأثير السياسي المحيطة في مختلف البلاد العربيّة والذي لم يسمح للفكر النقدي أن ينمو وينتشر في الإعلام والتعليم، وبالتالي أن يصبح فكراً فعّالاً ومعروفاً، وأخيراً قد يكون وراء ذلك الإهمال ذهنيّة إنسان مُستعمَر لا يرى في المنتج المحلّي ما هو جدير بالاهتمام والتقدير والتعريف بعه وعنه".
وتطرقت الباحثة إلى التجربة الذاتية التي اعتملت نفسها وهي تتوجه صوب بناء فصول كتابها، قائلة: "أنا ابنة هذه البيئة، وتخرّجت من أحسن مدارسها وجامعاتها من دون أن أعرف الكثير عن الفكر العربي الحديث، كانت دراستي محاولة لتثقيف نفسي في هذا المجال، وتلبيةً لحاجتي في معرفة الكيفية التي تُعالَج المسائل الحيويّة في بيئتي من خلالها على الصعيد الفكري، فكتابي هو نتيجة فضول شخصي؛ حيوي وفكري".
وأشارت الباحثة إلى الطابع السياسي الذي يضطلع به البحث في القضايا التي تناولها الكتاب، وقالت في هذا الصدد: "يركّز الفكر النقدي المعاصر على قراءة سياسيّة للأزمة الثقافيّة في وقت راجت وطغىت فيه وعليه المقاربات الثقافويّة التي تفسِّر الظواهر الثقافيّة بالعوامل الثقافيّة البحتة في نوع من التفكير الدائري العقيم".
واستعرضت بعض خصائص الفكر العربي، وأكدت بأن هذا الفكر، بالدرجة الأولى، يمثل نقداً ذاتيّاً وقد راجعَ أساليب وأنماط فكر رائجة، وكان مشغولاً بطرح الأسئلة أكثر منه بتقديم الأجوبة الشموليّة الجاهزة، إنه تفكير بالذات في الذات من دون الوقوع في أسر الخصوصيّات العقيمة، إنه تفكير عن الواقع المعاش و ليس تمريناً ذهنيّاً منفصلاً عن الواقع والناس.
وأشارت إلى البعد التاريخي في هذا المجال قائلة: "إن الفكر العربي يتموضع في سياقٍ تاريخي، ويحاول إعادة الوصل بفكر نقديٍّ أسبق، ألا وهو فكر النهضة، فيجتهد الفكر المعاصر إلى التواصل مع الماضي الحديث في سبيل المراكمة والبناء على جهود سابقة، ودراستي هي أيضاً نوع من هذه المراكمة وتجميع إرث فكريٍّ قيّم نستطيع البناء عليه ونحن نفكِّر في حاضرنا ومستقبلنا".
وفي سؤال عن قيمة المقارنات التي ضمها كتابها، قالت إليزابيث: "في هذه المراجعة الذاتيّة لكثير من المفاهيم الأساسيّة كالأصالة والهوية والقومية والذاتية يشبه الفكر النقدي العربي في فترة ما بعد الاستقلال المراجعات التي حصلت في أنحاء أخرى من عالم ما بعد الاستعمار كأفريقيا وأميركا الجنوبيّة. لقد أحببت بهذه المقارنات أن أكسر العزلة العربيّة، وأن أساهم في تهديم وهم الاستثناء العربي، وفي الوقت ذاته مكّنتني المقاربة النقديّة من اكتشاف وإبراز بعض الخصوصيّات والحيثيّات العربيّة".
أما عن دور المثقَّف العربي في هذا المجال، فأكدت كسّاب على أن من أبرز الأسئلة التي أثيرت في بدايات الثورات العربيّة هو غياب المثقّفين العرب وفشلهم في التنبؤ بهذه التحوّلات الهائلة، لكن قراءة الفكر العربي النقدي المعاصر تبين أن هناك تناغماً بين تحرّكات الشارع وهذا الفكر، على الأقل في أربع نواح، هي: توجيه النقد إلى الداخل كأولويّة ملحة، والطبيعة السياسية لهذا النقد في الدرجة الأولى، وغياب الإيديولوجيات.
وعن العلاقة بين الشعوب والمثقفين، وعلاقة ذلك بالشرط الديمقراطي، قالت الباحثة: "لقد أبرزت التحرّكات الشعبيّة أن لا تمكين للمثقّفين دون تمكين الشعوب، أي أن لا تمكين للفكر من دون تحرر سياسي ديمقراطي".
وفي سؤال عن نظرتها إلى جائزة الشيخ زايد للكتاب، وموقفها من فوز كتابها بفرع التنمية وبناء الإنسان في هذه الدورة، قالت الدكتور إليزابيث كسوزان كسّاب: "إن هذه الجائزة الكريمة تقدم دعماً للفكر العربي النيّر بلفت النظر إليه، بترويجه وتعليمه، فالجائزة بالنسبة لي تحيّة للنساء والرجال الأحرار والشرفاء في عالمنا العربي الذين حافظوا لنا على نور العقل والحريّة والكرامة في أحلك الأيّام".