نظمت جائزة الشيخ زايد للكتاب ندوتان متخصصتان ضمن فعاليات معرض أبوظبي الدولي للكتاب، حيث ناقشت إحداها قضايا الترجمة وإسهاماتها في التواصل بين الثقافات، في حين حملت الثانية عنوان "الجوائز الأدبية في العالم العربي مشروع ثقافي لحراك فعلي".
وقدمت جلسة الجوائز الأدبية الأستاذة رندا حبيب، عضو مجلس إدارة معهد الإعلام الأردني، بحضور عدد من أمناء الجوائز العربية أبرزهم سعادة الدكتور علي بن تميم، الأمين العام لجائزة الشيخ زايد للكتاب، والأستاذ الدكتور محمد بنيس، عضو الهيئة العلمية لجائزة الشيخ زايد للكتاب، والأستاذ الدكتور عبدالعزيز السبيّل، أمين عام جائزة الملك فيصل، والأستاذ الدكتور هنري العويط، مدير عام مؤسسة الفكر العربي - جائزة الإبداع العربي، والأستاذ جلال الطواهية، مدير مكتب الجائزة من أمانة عمّان - جائزة الملك عبدالله الثاني بن الحسين للإبداع.
وتناولت الندوة عدة محاور، أهمها، دور الجوائز في تحفيز المؤلف وتشجيعه على المزيد من الإبداع والعطاء، وأسباب عزوف الكتّاب عن التطلع إلى نيل جوائز أدبية مرموقة؛ والاهتمام النقدي الموازي من القارئ العربي بالأعمال الفائزة بالجوائز، بالإضافة إلى معايير ترشيح الأعمال ومنحها الجوائز في العالم العربي.
حراك ثقافي
وقال سعادة الدكتور علي بن تميم، أمين عام جائزة الشيخ زايد للكتاب في مستهل الجلسة: يسعدني أن أرحب بكم في هذه الجلسة التي تناقش واقع الجوائز العربية و طموحاتها المستقبلية، واسمحوا لي قبل أن أقدم نبذة تعريفية موجزة عن جائزة الشيخ زايد للكتاب بوصفي الأمين العام لها أن أبين أن تعدد الجوائز في العالم العربي دالّ على حراك ثقافي يسهم في توجيه الثقافة العربية ورفدها بالمبدعين، وأن الكثير من الجوائز العربية قد اكتسبت شهرة ومصداقية، لكونها تجمع بين التكريم المادي والمعنوي لأعلام بارزين في ميادين الفعل الثقافي، لذلك فإن فوزهم يعدّ تتويجًا لرحلتهم، وتحفيزًا لهم على المزيد من الإبداع والتطوير والتأثير في الساحة الثقافية، وكذلك تُسلِّط الجوائز الضوء على أصحاب المواهب الشابة، ما يمنحهم فرصة الحضور والاعتراف بمواهبهم وتقديرها حق قدرها، وهذا مكسب كبير وتشجيع لهم للانطلاق إلى آفاق واسعة.
وأضاف: أنتم تعلمون أن الدراسات المخصصة لتحليل الجوائز الأدبيّة بوصفها ممارسة مؤسّسيّة وثقافيّة تشكّل واحداً من الميادين المهمّة في سوسيولوجيا الثّقافة وخلافاً لما يتصوّره المرء للوهلة الأولى، فإنّ التحليلات تُرينا أنّ مسألة الجوائز هي من العمق والخطورة، بحيث تمسّ علاقة الأمّة أو المؤسّسة الثّقافيّة بكاملها بسيرورة الإبداع الأدبيّ والفكريّ، وبحركة الكِتاب ومساره الذي يبدأ بالكاتب وينتهي بالقارئ، مروراً بالنّاشرين والنّقّاد والباحثين، ففي هذا الشّوط الطويل الذي تتمتّع كلّ واحدة من عتباته أو مراحله بأهميّتها الكبرى وبقانونها الخاصّ، أصبحت الجوائز الأدبيّة وجهود المؤسّسات أو اللّجان القيّمة عليها تحتلّ مكانةً أساسيّة ما فتئت تزداد أهميّة وخطورة.
ولفت إلى أنه في عام (2006) تقرر إنشاء جائزة فكرية -ثقافية تحمل اسم «جائزة الشيخ زايد للكتاب»، تقديراً لمكانة الراحل الكبير ودوره الريادي والحضاري في بناء دولة الإمارات وفي بناء الإنسان وصناعة الوعي وتأسيس الهوية، وهي جائزة مستقلة، تمنح سنوياً لمفكرين ومبدعين وباحثين، ومترجمين وأدباء شباب وناشرين، عن إسهاماتهم في ميادين معرفية وأدبية متعددة، وفق معايير علمية وموضوعية.
وأريد للجائزة منذ تأسيسها أن تكون اسماً على مسمى، تستلهم الرؤى الفكرية والروح الحضارية، والإرث التنويري لصاحبها، انطلاقاً من وعيه بقيمة الموروث الثقافي والحضاري للأمة، القائم على روح التسامح، والتعددية الثقافية.
وأوضح سعادته أن جائزة الشيخ زايد للكتاب سعت للتفرد، وتجاوز المتاح، والوصول إلى العالمية، وترسيخ ثقافة الكِتاب وقيمته بمعناه الواسع المتجدد، بوصفه وعاءً للعلم والمعرفة، وأداةً للتقدم والازدهار والتنوير، وتنمية الإنسان، والعبور به من غياهب الأمية والجهل والتخلف والأحادية، ومما يعزز هذا التصور اهتمام الجائزة أيضاً بما يقدَّم إلى الأطفال والناشئة من كتابات وإبداعات عبر تخصيصها فرعاً لأدب الأطفال والناشئة، الذي يشمل المؤلفات الأدبية، والعلمية، والثقافية للأطفال والفتيان في مراحلهم العمرية المختلفة، سواء أكانت إبداعاً تخيلياً أم تبسيطاً للحقائق التاريخية والعلمية، في إطار جذاب، ينمي الحس المعرفي والجمالي معاً. وأشار إلى أنه مما أكسب الجائزة حضوراً وشهرة واسعة موضوعيتها ونزاهتها وشفافيتها، وابتعادها عن التحيزات العقائدية والطائفية والمذهبية والإقليمية، عبر منحها لمن يستحقها، بغض النظر عن توجهاته الإيديولوجية والفكرية، وخلفيته الثقافية، ذلك أنها تتوجه إلى أعمال تتميز بالجدية والعمق والتأثير، دون النظر إلى بريق الأسماء المكرسة.
وفضلاً عن ذلك، ارتأت الجائزة دمج بعض الفروع بغية تفعيل المشاركة أكثر، لذلك فقد قررت الجائزة دمج فرعين من فروعها هما: فرع «جائزة الشيخ زايد للنشر والتوزيع»، وفرع «جائزة الشيخ زايد لأفضل تقنية في المجال الثقافي» في فرع جديد هو «جائزة الشيخ زايد للنشر والتقنيات الثقافية»، وتمنح لدور النشر والتوزيع الورقية، ولمشاريع النشر والتوزيع والإنتاج الثقافي الرقمية، والبصرية، والسمعية، سواء أكانت ملكيتها الفكرية تابعة لأفراد أم لمؤسسات، كي تكون الفرصة متاحة أكثر لاستقبال الترشيحات، أو النظر فيما يمكن ترشيحه، بغية الفوز بهذا الفرع المستحدث. أما فرع المؤلف الشاب، فقد قررت الجائزة ابتداء من الدورة السابعة (2012 – 2013) تعديل توصيفه، إذ أعطي المنجز الجامعي «الأكاديمي» فيه فرصة الترشح للجائزة، فأصبح توصيفه مشتملاً على المؤلفات في مختلف فروع العلوم الإنسانية، والفنون، والآداب، بالإضافة إلى الأطروحات العلمية المنشورة في كتب، على ألا يتجاوز عمر كاتبها الأربعين عاما.
"الترجمة جسر للحوار"
ومن جانب آخر، حظي الحضور والمتابعين للحراك الثقافي من زوار المعرض، بفرصة حضور ندوة بعنوان "الترجمة جسر للحوار الثقافي" والتي تقدمها الناقدة المتخصصة والكاتبة الصحفية كلوديا كراماتشيك، لتقدم من خلالها رؤى معمّقة عن أدب وثقافة العالم العربي.
وشارك في الندوة الكاتب والمترجم والناقد الأدبي الألماني المتخصص بترجمة الأدب العربي شتيفان فايدنر في كلمته عن هذا المشروع المهم الذي يضع الأدب العربي في سياقه العالمي اليوم، مع تسلّيط الضوء عليه من منظور نظرية ما بعد الاستعمار من جهة، والقراء الغربيين المهتمين بالأدب العربي من جهة أخرى.
وبدورها، تناولت الناشرة البريطانية مارغريت أوبانك في هذه الندوة الحديث حول ترجمة الأدب، والرواية والشعر باعتباره جزءاً أساسياً من العالم المتعدد الأعراق والثقافات الذي نعيش فيه، وكيف تساهم ترجمة الأعمال الأدبية للمؤلفين العرب المعاصرين إلى الإنجليزية (ولغات أخرى) في جعل هذا الأدب متاحاً لأوسع جمهور ممكن، الأمر الذي يتيح لهذه المؤلفات أخذ مكانها الصحيح ضمن الأدب العالمي، وتعريف القرّاء حول العالم بتنوع وحيوية الثقافات العربية.
وتحدث جان كارستن، وهو الرئيس التنفيذي لموقع "كتب ثقافية" عن تجربته كناشر رقمي، وأهمية التنوع البيبليوغرافي، وضرورة أنشطة النشر المستقلة القوية والمتنوعة، وكذلك أهمية الكتابات العالمية التي تتخطى حدود الأدب "المحلي".