نبذة عن الكتاب
وفي هذا الإطار ينبري محمد سعدي في تقديم مقاربة نقدية لهذه النظرية أو "البراديغم" للوقوف على الظروف التاريخية والسياسية التي انبثقت في ظلها، وكشف المنطق الموجه لطروحاتها وأسسها النظرية، وفضح مضمراتها ومتناقضاتها ومحدوديتها وتهافتها على المستوى المفهومي والواقعي من خلال ثلاثة أبعاد: البعد التحليلي؛ أي تحليل مرتكزات الأطروحة، والبعد التأويلي لخطاب هنتحتون، وتفاعله مع المتغيرات التنظيرية للعلاقات الدولية، والبعد الواقعي؛ أي مدى مطابقتها للواقع الدولي، واحتوائها للمتغيرات الدولية.
ولعل الباعث الحقيقي الذي حمل الدكتور سعدي على تقديم قراءة عميقة لهذه النظرية، هو أنها تهتم بشكل محوري بالعالم الإسلامي، كمجال حضاري استراتيجي له موقع في العلاقات الدولية المستقبلية، لذا فقد رأى أن من الضروري التصدي النقدي لها، وتعميم الوعي بمضمونها وأهدافها، ولاسيما أنها حاولت تسويق صورة سلبية عن الإسلام، تساير تلك الموجة الفكرية، التي سعت جاهدة إلى المماهاة بين الإسلام من جهة، والعنف والإرهاب من جهة أخرى.
ويذهب الكاتب إلى أن مفهوم الحضارة الذي يروج له هنتجتون في أطروحته لهو مفهوم اختزالي، تم توظيفه على نحوٍ تعسفي وتعميمي، ليصبح بمثابة المحرك الوحيد للتاريخ، وهذا – بحسب الكاتب- هو ما يجعله غير قادر على التعبير عن الواقع المعقد للخريطة العالمية، ذلك أن خطاب نظرية "صدام الحضارات" كما صاغه هنتجتون ينطلق من مفهوم جوهري للهوية الثقافية والحضارية، يتسم بالضيق والانغلاق والمثالية، إذ يؤمن بصفاء الثقافات وعزلتها واكتفائها الذاتي، على اعتبار أن لها ماهية خالصة ثابتة، مغفلاً أن الهوية الثقافية هي حصيلة تاريخ مستمر من التفاعل والتداخل مع الثقافات الأخرى، ومكرساً النظرة الماهوية للأمم والقوميات، التي تصور العالم وكأنه مشكل من مجموعات ثقافية ذات أصول ثقافية جامدة مستعدة للتصادم فيما بينها، وتنظر إلى الحضارات بوصفها كائنات خالدة لاتاريخية متعالية، لا تخضع لمنطق التفاعل والتحول.
وبفعل طابع هذه الأطروحة الأصولي، فقد وجد العديد من الأصوليين ضالتهم فيها بغية تكريس مبادئهم، لذلك تم الترويج لها إلى أبعد مدى من قبل تيارات اليمين المتطرف، والحركات العنصرية والأصولية في كل الديانات والثقافات.
سنة النشر: 2007